الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.فيمَنْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَاسْتُحِقَّ في يَدَيْهِ: قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت مَنْ رَجُلٍ ثَوْبًا شَهْرَيْنِ لِأَلْبَسَهُ، فَلَبِسْتُهُ شَهْرَيْنِ فَنَقَصَهُ لُبْسِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الثَّوْبَ، وَاَلَّذِي أَعَارَنِي الثَّوْبَ عَدِيمٌ لَا شَيْءَ لَهُ، أَيَكُونُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي مَا نَقَصَ لُبْسِي الثَّوْبَ؟قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي، مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الِاشْتِرَاءِ.قُلْت: فَإِنْ ضَمَّنَنِي، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَعَارَنِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا أَرَى لَكَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مَعْرُوفٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِهِبَتِهِ ثَوَابًا فيرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ.قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ؟قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ الثَّوْبَ فَلَبِسْتُهُ فَنَقَصَهُ لُبْسِي، فَأَتَى رَبُّ الثَّوْبِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي؟قَالَ: نَعَمْ.مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في شِرَاءِ الثَّوْبِ: إنَّهُ إذَا لَبِسَهُ وَقَدْ اشْتَرَاهُ فَنَقَصَهُ لُبْسُهُ، إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَهُ لُبْسُهُ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ هِيَ عِنْدِي مِثْلُ الْبَيْعِ.قُلْت: فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي آجَرَهُ الثَّوْبَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ الْإِجَارَةِ؟قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَرْجِعُ في الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ.أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَبِسَ الثَّوْبَ وَقَدْ اشْتَرَاهُ فَنَقَصَهُ اللُّبْسُ، فَضَمِنَ مَالِكُ الْمُشْتَرَى مَا نَقَصَ اللُّبْسُ الثَّوْبَ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا في الْإِجَارَةِ، وَهُوَ في الْبَيْعِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْإِجَارَةُ رَأْيِي..فيمَنْ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ: قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ ادَّعَيْت قِبَلَ رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَسْتَحْلِفَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ في امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا اسْتَكْرَهَهَا عَلَى نَفْسِهَا.قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يُشَارُ إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، رَأَيْتُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدَّ.وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ، رَأَيْتُ أَنْ يَنْظُرَ السُّلْطَانُ في ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْغَصْبُ في الْأَمْوَالِ، إذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ غَصْبًا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، رَأَيْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّبَ الَّذِي ادَّعَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ في ذَلِكَ وَأَحْلَفَهُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ هَذَا الْغَاصِبَ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، فَاسْتَحْلَفَهُ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، أَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ أَمْ حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي؟قَالَ: لَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يُحَلِّفَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ في الْحُقُوقِ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، فَكَذَلِكَ هَذَا في مَسْأَلَتِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ..اخْتِلَافُ الْغَاصِبِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ في الصِّفَةِ: قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا، فَادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ خَلَقًا، وَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: غَصَبْتَنِيهِ جَدِيدًا؟قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ.قُلْت: فَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَحَلَفَ، وَأَخَذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الثَّوْبَ خَلَقًا، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ جَدِيدًا، أَتُجِيزُ بَيِّنَتَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: نَعَمْ، إذَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً يَوْمَ اسْتَحْلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ ادَّعَى قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ يَعْلَمُ بِهَا، فَاسْتَحْلَفَهُ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ.قَالَ: فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْبَيِّنَةَ وَرَضِيَ بِيَمِينِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَجَحَدَهُ فَاسْتَحْلَفَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ، ثُمَّ أَصَابَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ لَهُ.قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُقْضَى لَهُ بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْلَمْ بِبَيِّنَةٍ حِينَ أَحْلَفَهُ، فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا..(فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ): فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ:قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ سَوِيقًا فَلَتَتّهُ بِسَمْنٍ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ السَّوِيقَ؟قَالَ: تَضْمَنُ لَهُ سَوِيقًا مِثْلَ ذَلِكَ السَّوِيقِ.قُلْت: فَإِنْ اغْتَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهُ؟قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَاهُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْغَاصِبِ قِيمَةَ صَبْغِهِ وَيَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْغَاصِبِ وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصَبَهُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبْتُ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً فَطَحَنْتُهَا دَقِيقًا؟قَالَ: أَحَبُّ مَا فيهِ إلَيَّ، أَنْ يَضْمَنَ لَهُ حِنْطَةً مِثْلَ حِنْطَتِهِ..فيمَنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً فَأَنْقَصَهَا: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ السَّارِقِ الَّذِي يَسْرِقُ الدَّابَّةَ، فيجِدُهَا صَاحِبُهَا عِنْدَهُ وَقَدْ أَنْقَصَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا، فَمَاذَا تَرَى لَهُ؟قَالَ: أَرَى لَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ سَرَقَهَا.قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَكِرَاءَ مَا اسْتَعْمَلَهَا فيهِ؟قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَكْرَاهَا السَّارِقُ وَأَنْقَصَهَا، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْخُذَ الْكِرَاءَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا، لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ وَلَا شَيْءَ، أَوْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ إنْ تَغَيَّرَتْ أَوْ نَقَصَتْ..فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سِوَارَ ذَهَبٍ فَاسْتَهْلَكَهَا مَاذَا عَلَيْهِ: قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سِوَارَ ذَهَبٍ فَاسْتَهْلَكَهُ، مَاذَا عَلَيْهِ؟قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ الْفِضَّةِ.قُلْت: فيصْلُحُ لَهُ إذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ.وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ غَصَبَ ثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ دَرَاهِمَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ.قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ هُوَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ بِالدَّرَاهِمِ إلَى أَجَلٍ لَا بَأْسَ بِهَا، وَالذَّهَبُ بِالْوَرِقِ إلَى أَجَلٍ لَا خَيْرَ فيهِ، فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ ذَهَبٌ، إنَّمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَرِقٌ.فَمَا كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ في الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ أَخَّرَهُ أَوْ عَجَّلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَسَرْتُ لِرَجُلٍ سِوَارِي فِضَّةٍ؟قَالَ: أَرَى عَلَيْكَ قِيمَةَ مَا أَفْسَدْتَ، وَيَكُونُ السِّوَارَانِ لِرَبِّهِمَا وَإِنَّمَا عَلَيْكَ قِيمَةُ صِيَاغَتِهِمَا.قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا وَإِنَّمَا رَأَيْتُ هَذَا الَّذِي قُلْت لَكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ صِيَاغَتَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا تِلْكَ الصِّيَاغَةِ.أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَسَرَ لِصَائِغٍ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ قَدْ صَاغَهُمَا لِرَجُلٍ بِكِرَاءٍ، كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَلَيْسَ فَسَادُ الصِّيَاغَةِ تَلَفًا لِلذَّهَبِ، كَمَا يَكُونُ في الْعُرُوضِ إذَا أَفْسَدَهَا فَسَادًا فَاحِشًا أَخَذَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا..فيمَنْ ادَّعَى وَدِيعَةً لِرَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ: قُلْت: أَرَأَيْتَ السِّلْعَةَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ بِإِجَارَةٍ فيغِيبُ رَبُّهَا، ثُمَّ يَدَّعِيهَا رَجُلٌ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، أَيُقْضَى لَهُ بِهَا وَرَبُّهَا غَائِبٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: نَعَمْ، يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا بِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ، فيتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي وَيَأْمُرُ أَنْ يُكْتَبَ إلَيْهِ حَتَّى يَقْدُمَ..(فيمَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً وَمِنْ آخَرَ شَعِيرًا فَخَلَطَهُمَا): فيمَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً وَمِنْ آخَرَ شَعِيرًا فَخَلَطَهُمَا أَوْ خَشَبَةً فَجَعَلَهَا في بُنْيَانِهِ:قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً وَمَنْ آخَرَ شَعِيرًا فَخَلَطْتُهُمَا، مَا عَلِيّ؟قَالَ: عَلَيْكَ حِنْطَةٌ مِثْلُ الْحِنْطَةِ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ، وَشَعِيرٌ مِثْلُ الشَّعِيرِ لِصَاحِبِ الشَّعِيرِ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ خَشَبَةً فَجَعَلَهَا في بُنْيَانِهِ؟قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَأْخُذُهَا رَبُّهَا وَيَهْدِمُ بُنْيَانَهُ.قُلْت: فَالْحَجَرُ إذَا أَدْخَلَهُ في بُنْيَانِهِ؟قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ..فيمَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَشَبَةً فَعَمِلَ مِنْهَا مِصْرَاعَيْنِ: قُلْت: فَإِنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ خَشَبَةً فَعَمِلَ مِنْهَا مِصْرَاعَيْنِ؟قَالَ: هَذَا يَكُونُ لِرَبِّ الْخَشَبَةِ قِيمَتُهَا.قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ.قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي أَدْخَلَهَا في بُنْيَانِهِ؟قَالَ: الَّذِي أَدْخَلَهَا في بُنْيَانِهِ، قَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ مَا أَخْبَرْتُكَ.وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ الْخَشَبَةَ الَّتِي أَدْخَلَهَا في الْبُنْيَانِ، وَهَذَا الَّذِي عَمِلَ مِنْهَا مِصْرَاعَيْنِ، قَدْ غَيَّرَهَا وَصَارَ لَهُ هَهُنَا عَمَلٌ، فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ ظَلَمَ فَلَا يُظْلَمُ..فيمَنْ اغْتَصَبَ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ شَجَرًا فَغَرْسَهَا أَوْ خَمْرًا فَخَلَّلَهَا: قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، أَوْ صَنَعَ مِنْهَا حُلِيًّا؟قَالَ: عَلَيْهِ فِضَّةٌ مِثْلُهَا.قَالَ: وَمَا أَحْفَظُ أَنِّي سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبْتُ مِنْ رَجُلٍ تُرَابًا فَجَعَلْتُهُ مِلَاطًا لِبُنْيَانِي، مَاذَا لَهُ عَلِيَّ؟قَالَ: عَلَيْكَ مِثْلُهُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ غَصَبْتُ مِنْ رَجُلٍ وَدِيًّا مِنْ النَّخْلِ صِغَارًا، أَوْ شَجَرًا صِغَارًا فَقَلَعْتُهَا وَغَرَسْتهَا في أَرْضِي فَكَبِرَتْ فَأَتَى رَبُّهَا؟قَالَ: يَأْخُذُهَا.قُلْت: يَأْخُذُهَا بَعْدَمَا صَارَتْ كِبَارًا؟قَالَ: نَعَمْ.قُلْت: فَلَوْ غَصَبْتُ مِنْ رَجُلٍ حِنْطَةً فَزَرَعْتُهَا فَأَخْرَجَتْ حِنْطَةً كَثِيرَةً؟قَالَ: أَرَى عَلَيْكَ قَمْحًا مِثْلَهُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ النَّخْلَةَ الصَّغِيرَةَ إذَا اغْتَصَبَهَا فَصَارَتْ نَخْلَةً كَبِيرَةً، لِمَ قُلْت يَأْخُذُهَا رَبُّهَا؟قَالَ: أَلَا تَرَى إذَا غَصَبَ دَابَّةً صَغِيرَةً فَكَبُرَتْ عِنْدَهُ، إنَّ رَبَّهَا يَأْخُذُهَا، فَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا خَمْرًا فَخَلَّلَهَا فَأَتَى رَبُّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في مُسْلِمٍ كَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ.قَالَ: أَرَى أَنْ يُهْرِيقَهَا، فَإِنْ اجْتَرَأَ فَلَمْ يُهْرِقْهَا حَتَّى صَيَّرَهَا خَلًّا فيأْكُلُهَا، فَأَرَى أَنَّهَا لِلْمَغْصُوبَةِ مِنْهُ..فيمَنْ اغْتَصَبَ جُلُودَ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا: قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَأَتْلَفْتُهُ، أَيَكُونُ عَلِيّ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: عَلَيْكَ قِيمَتُهُ.قُلْت: لِمَ قُلْت عَلَيْكَ قِيمَتُهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُبَاعُ جُلُودُ الْمَيْتَةِ؟قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُبَاعُ كَلْبُ زَرْعٍ وَلَا كَلْبُ مَاشِيَةٍ وَلَا كَلْبُ صَيْدٍ وَلَا يَحِلُّ ثَمَنُهَا، وَمَنْ قَتَلَهَا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في الْكِلَابِ، فَجُلُودُ الْمَيْتَةِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.قُلْت: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ في جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَعَلَيْهَا وَبَيْعَهَا وَإِنْ دُبِغَتْ؟قَالَ: نَعَمْ.وَلَا تُلْبَسُ وَإِنْ دُبِغَتْ؟قَالَ: نَعَمْ في قَوْلِ مَالِكٍ، لَا تُلْبَسُ وَإِنْ دُبِغَتْ.قَالَ: وَلَكِنْ يُقْعَدُ عَلَيْهَا إذَا دُبِغَتْ وَتُفْرَشُ وَتُمْتَهَنُ لِلْمَنَافِعِ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَلَا تُلْبَسُ.قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَفيسْتَقَى بِهَا؟فَقَالَ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي أَتَّقِيهَا في خَاصَّةِ نَفْسِي، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ، وَغَيْرُهَا أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا.قَالَ: وَلَا يُؤْكَلُ ثَمَنُهَا وَإِنْ دُبِغَتْ.قُلْت: فَجُلُودُ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ، أَيَحِلُّ بَيْعُهَا إذَا دُبِغَتْ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ؟قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهَا وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا.قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يُوَقِّتُ في أَثْمَانِ الْكِلَابِ في كَلْبِ الزَّرْعِ فِرْقٌ مِنْ طَعَامٍ، وَفي كَلْبِ الْمَاشِيَةِ شَاةٌ مِنْ الضَّأْنِ وَفي كَلْبِ الصَّيْدِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا؟قَالَ: لَا، لَمْ يَكُنْ يُوَقِّتُ هَذَا، وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ: عَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ..في الْغَاصِبِ يَكُونُ مُحَارِبًا: قُلْت: أَرَأَيْتَ الْغَاصِبَ، هَلْ يَكُونُ مُحَارِبًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ كُلُّ غَاصِبٍ يَكُونُ مُحَارِبًا.أَرَأَيْتَ السُّلْطَانَ إذَا غَصَبَ رَجُلًا مَتَاعًا أَوْ دَارًا، أَيَكُونُ هَذَا مُحَارِبًا؟قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا مُحَارِبًا في قَوْلِ مَالِكٍ، إنَّمَا الْمُحَارِبُ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ أَوْ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ في حَرِيمِهِ، فَدَافَعَهُ عَلَى شَيْئِهِ فَكَابَرَهُ، فَهَذَا الْمُحَارِبُ.أَوْ لَقِيَهُ بِالطَّرِيقِ فَضَرَبَهُ أَوْ دَفَعَهُ عَنْ شَيْئِهِ بِعَصًا أَوْ بِسَيْفٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبُونَ في قَوْلِ مَالِكٍ.قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ وَتَرَكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ، فَأَتَى قَوْمٌ فَشَهِدُوا لِرَجُلٍ أَنَّهُ اغْتَصَبَ مِنْهُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ هَذَا الرَّجُلَ، أَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ؟قَالَ: إنْ عَرَفُوهَا بِأَعْيَانِهَا وَشَهِدُوا عَلَيْهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ في رَأْيِي.قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، فَاسْتَوْدَعَهَا رَجُلًا فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ، فَأَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ شَيْءٌ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَتْلَفَ مِنْ فِعْلِهِ..(مَنْعُ الْإِمَامِ النَّاسَ الْحَرَسَ إلَّا بِإِذْنٍ): مَنْعُ الْإِمَامِ النَّاسَ الْحَرَسَ إلَّا بِإِذْنٍ وَاَلَّذِي يَغْتَصِبُ الثَّوْبَ فيجْعَلُهُ ظِهَارَةً أَوْ الْخَشَبَةَ أَوْ الْحَجَرَ فيجْعَلُهَا في بُنْيَانِهِ:قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْت لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إنَّا نَكُونُ في ثُغُورِنَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فيقُولُونَ لَنَا: إنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: لَا تَحْرُسُوا إلَّا بِإِذْنٍ.قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَيَقُولُ أَيْضًا لَا تُصَلُّوا إلَّا بِإِذْنٍ، أَيْ لَيْسَ قَوْلُهُ هَذَا بِشَيْءٍ وَلْيَحْرُسْ النَّاسُ وَلَا يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهِ هَذَا.قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَقْرَرْت لِرَجُلٍ أَنِّي قَدْ غَصَبْتُهُ ثَوْبًا فَجَعَلْتُهُ ظِهَارَةً لِجُبَّتِي، أَيَكُونُ عَلَيَّ قِيمَتُهُ، أَوْ يَكُونُ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنِّي؟قَالَ: لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، مِثْلَ الْخَشَبَةِ الَّتِي أَدْخَلْتَهَا في الْبُنْيَانِ، أَوْ يُضَمِّنَكَ قِيمَةَ الثَّوْبِ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقْرَرْتُ لِرَجُلٍ أَنِّي غَصَبْتُهُ هَذَا الْخَاتَمَ، ثُمَّ.قلت بَعْدَمَا أَقْرَرْتُ بِهِ إنَّ فَصَّهُ لِي، أَأُصَدَّقُ أَمْ لَا؟قَالَ: لَا تُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَسَقًا مُتَتَابِعًا.قُلْت: وَكَذَلِكَ الْجُبَّةُ إذَا أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: الْبِطَانَةُ لِي؟قَالَ: هَذَا وَالْخَاتَمُ سَوَاءٌ.قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟قَالَ: لَا.قُلْت: وَكَذَلِكَ الدَّارُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا أَقَرَّ بِهَا أَنَّهُ غَصَبَهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: الْبُنْيَانُ أَنَا بَنَيْتُهُ؟قَالَ: هَذَا مِثْلُ الْخَاتَمِ سَوَاءٌ..فيمَنْ اغْتَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ فَأَتْلَفَهُ: قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فيهَا شَجَرًا فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا؟قَالَ: يُقَالُ لِلْغَاصِبِ: اقْلَعْ شَجَرَكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا مَقْلُوعَةً، وَكَذَلِكَ الْبُنْيَانُ إذَا كَانَ لِلْغَاصِبِ في قَلْعِهِ مَنْفَعَةٌ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: اقْلَعْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فَأَمَّا مَا لَيْسَ لِلْغَاصِبِ فيهِ مَنْفَعَةٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَلَيْسَ لَهُ في حَفْرِ حُفْرَةٍ في بِئْرٍ في الْأَرْضِ وَلَا تُرَابٍ رَدَمَ بِهِ حَفْرًا في الْأَرْضِ أَوْ مَطَامِيرَ حَفَرَهَا، فَلَيْسَ لَهُ في ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْغَاصِبُ عَلَى أَخْذِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ حَدِيدًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ فَأَتْلَفْتُهُ، أَيَكُونُ عَلَيَّ مِثْلُهُ؟قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى بَيْعًا جُزَافًا مِثْلَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ فَأَتْلَفَهُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.فَكَذَلِكَ الْغَصْبُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَذَا.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْتُ مِنْ رَجُلٍ حَدِيدًا أَوْ نُحَاسًا، فَصَنَعْتُ مِنْهُ قِدْرًا أَوْ سُيُوفًا، أَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟قَالَ: لَا أَرَى لَهُ إلَّا وَزْنًا مِثْلَ نُحَاسِهِ أَوْ حَدِيدِهِ..الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمِ يَغْصِبُ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا: قُلْت: أَرَأَيْتَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا تَظَالَمُوا فيمَا بَيْنَهُمْ في الْخَمْرِ يَأْخُذُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ يُفْسِدُهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَيُحْكَمُ فيمَا بَيْنَهُمْ أَمْ لَا؟قَالَ: نَعَمْ، يُحْكَمُ فيمَا بَيْنَهُمْ في الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَظَالَمُوا بَيْنَهُمْ حَكَمْتُ بَيْنَهُمْ وَدَفَعْتُهُمْ عَنْ الظُّلْمِ؟ أَفَلَيْسَ الْخَمْرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَهُمْ عَنْ ظُلْمِ بَعْضٍ فيهَا؟قَالَ: بَلَى، كَذَلِكَ أَرَى أَنْ يُحَكَّمَ بَيْنَهُمْ فيهَا.قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ في الرِّبَا، إذَا تَظَالَمُوا فيهِ فَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَمْ أَحْكُمْ بَيْنَهُمْ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا رَضُوا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ في الْخَمْرِ وَالرِّبَا - ظَالِمُهُمْ وَمَظْلُومُهُمْ - أَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيَرُدُّهُمْ إلَى رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ؟قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّصَارَى فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كِتَابِهِ في الْحُكْمِ بَيْنَ النَّصَارَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ] قَالَ: وَالتَّرْكُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ حَكَمَ حَكَمَ بِالْعَدْلِ.ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، أَكَانَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ اسْتِنْكَارًا أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ، فَلَا أَرَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ في شَيْءٍ مِنْ الرِّبَا.قُلْت: أَرَأَيْتَ مُسْلِمًا غَصَبَ نَصْرَانِيًّا خَمْرًا؟قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا في قَوْلِ مَالِكٍ.قُلْت: وَمَنْ يُقَوِّمُهَا؟قَالَ: يَقُومُهَا مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا دُفِنَا في قَبْرٍ وَاحِدٍ، مَنْ يُقَدَّمُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: الرَّجُلُ.قلت: أَفيجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ الصَّعِيدِ؟قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ يُقَدَّمُ الرَّجُلُ.قُلْت: أَفيدْفَنَانِ في قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؟قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ.قُلْت: مَنْ يَدْخُلُ في قَبْرِ الْمَرْأَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَعَصَبَتُهَا أَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَزَوْجُهَا أَوْلَى بِإِدْلَائِهَا في قَبْرِهَا، وَغَسْلِهَا مِنْ أَبِيهَا وَابْنِهَا.قَالَ: فَأَرَى أَنْ يَدْخُلَ ذُو مَحَارِمِهَا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ اُضْطُرُّوا إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ في الْقَبْرِ في رَأْيِي.وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا..فيمَنْ اسْتَحَقَّ أَرْضًا وَقَدْ عَمِلَ الْمُشْتَرِي فيهَا عَمَلًا: قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ أَرْضًا، فَحَفَرَ فيهَا مَطَامِيرَ أَوْ آبَارًا أَوْ بَنَى فيهَا ثُمَّ أَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، مَا يَكُونُ لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟قَالَ: يُقَالُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهَا: ادْفَعْ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ إلَى هَذَا الَّذِي اشْتَرَاهَا، وَخُذْ أَرْضَكَ وَمَا فيهَا مِنْ الْعِمَارَةِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأَرْضَ فيعْمُرُهَا بِأَصْلٍ يَضَعُهُ فيهَا، أَوْ الْبِئْرِ يَحْفِرُهَا فيهَا، ثُمَّ يَأْتِي رَجُلٌ فيدْرِكُ فيهَا حَقًّا فيرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ.قَالَ: لَا شُفْعَةَ فيهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ فَإِنْ أَعْطَاهُ كَانَ أَحَقَّ بِشُفْعَتِهِ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَهُ فيهَا.قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الْأَرْضِ الْمَوَاتِ: إذَا أَتَى رَجُلٌ إلَى أَرْضٍ فَأَحْيَاهَا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا مَوَاتٌ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، قَالَ مَالِكٌ في قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَا آخُذُ بِهِ، وَأَرَى أَنَّهُ إذَا أَبَى هَذَا وَأَبَى هَذَا، أَنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَا أَنْفَقَ هَذَا مِنْ عِمَارَتِهِ، وَبِقَدْرِ قِيمَةِ الْأَرْضِ يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ في الْأَرْضِ وَالْعِمَارَةِ جَمِيعًا.وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ اُخْتُلِفَ فيهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ وَأَحَبُّ مَا فيهِ إلَيَّ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْأَرْضَ فَبَنَى فيهَا، إذَا أَتَى الَّذِي اسْتَحَقَّهَا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ عِمَارَتِهِ وَيَأْخُذَهَا، أَوْ يُقَالَ لِلَّذِي اشْتَرَاهَا اغْرَمْ لَهُ قِيمَةَ بُقْعَتِهِ وَحْدَهَا وَاتْبَعْ مَنْ اشْتَرَيْتَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ، صَاحِبُ الْعَرْصَةِ بِقِيمَةِ عَرْصَتِهِ، وَالْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ مَا أَحْدَثَ، يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فيهِمَا عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا، يَقْتَسِمَانِ أَوْ يَبِيعَانِ.وَكَذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فيمَا اسْتَحَقَّ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ:ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ وَخُذْ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: ادْفَعْ إلَيْهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْبُقْعَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ مَا اسْتَحَقَّ، وَأَبَى الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ مَا عَمَّرَ وَيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، نُظِرَ إلَى نِصْفِ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَى الْمُشْتَرِي وَإِلَى نِصْفِ مَا أَحْدَثَ فيكُونُ لَهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ مَا أَحْدَثَ في حِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ حِصَّةِ الْمُسْتَحِقِّ فيكُونَانِ شَرِيكَيْنِ في ذَلِكَ النِّصْفِ، لِصَاحِبِ الْبُنْيَانِ بِقَدْرِ نِصْفِ قِيمَةِ الْبُنْيَانِ الَّذِي بَنَى في حِصَّةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ فيمَا اسْتَحَقَّ، فيكُونَانِ شَرِيكَيْنِ في ذَلِكَ النِّصْفِ بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْقِيمَةِ، فيكُونُ لِلْمُشْتَرِي النِّصْفُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَنِصْفُ جَمِيعِ قِيمَةِ مَا أَحْدَثَ مِنْ الْبُنْيَانِ.وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ وَتَكَلَّمْتُ فيهِ مَعَ مَنْ تَكَلَّمْتُ، وَلَمْ أُوقِفْ مَالِكًا فيهِمَا عَلَى أَمْرٍ أَبْلُغُ فيهِ حَقِيقَتَهُ.أَلَا تَرَى أَنَّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ لَك هَذَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ، أَوْ الْمُسْتَحِقَّ لِنِصْفِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُعْطِي، أَكَانَ هَذَا يَذْهَبُ حَقُّهُ، وَيُقَالُ لَهُ اتْبَعْ مَنْ بَاعَ؟ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مُعْدَمًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ.فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ أَسْلَمَ وَإِذَا أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ حُمِلَا عَلَى الشَّرِكَةِ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ..كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ: قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ سِنِينَ، عَلَى أَنْ أَسْكُنَ فيهَا أَوْ أَبْنِيَ أَوْ أَغْرِسَ، فَفَعَلْتُ فَبَنَيْتُ وَغَرَسْت وَزَرَعْت، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ رَجُلٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ؟فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي آجَرَهُ إنْ كَانَ الَّذِي آجَرَهُ الْأَرْضَ إنَّمَا كَانَ اشْتَرَى الْأَرْضَ، فَالْكِرَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَهُ بِالضَّمَانِ إلَى يَوْمِ اسْتَحَقَّ مَا في يَدَيْهِ مِنْ السُّكْنَى، فَإِنْ كَانَتْ لِلزَّرْعِ فَاسْتُحِقَّتْ وَقَدْ فَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ كِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِثْلُ مَا مَضَى وَفَاتَ.قُلْت: وَإِنْ كَانَ مَضَى مِنْ السِّنِينَ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ إبَّانَ الزَّرْعِ لَمْ يَفُتْ، فَالْمُسْتَحِقُّ أَوْلَى بِكِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يَعْمَلُ فيهَا السَّنَةَ كُلَّهَا، فَهِيَ مِثْلُ السُّكْنَى.إنَّمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّ وَمَا مَضَى فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَيَكُونُ الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ فيمَا بَقِيَ مِنْ السِّنِينَ.فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْكِرَاءَ إلَى الْمُدَّةِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ.فَإِنْ أَجَازَ إلَى الْمُدَّةِ، فَلَهُ إنْ شَاءَ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ وَالْغَرْسَ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ صَاحِبَهُ بِقَلْعِهِ.فَإِنْ أَبَى أَنْ يُخَيِّرَ وَفَسَخَ الْكِرَاءَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الْبِنَاءَ وَلَا يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلِبَانِي أَوْ الْغَارِسِ: أَعْطِهِ قِيمَةَ الْأَرْضِ.فَإِنْ أَبَيَا كَانَا شَرِيكَيْنِ وَهَكَذَا هَذَا الْأَصْلُ في الْبُنْيَانِ وَالْغَرْسِ.وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ مَرَّةً في السَّنَةِ، فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ كِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ كِرَاؤُهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا تَعْمَلُ السَّنَةَ كُلَّهَا، فَلَهُ مِنْ يَوْمِ يَسْتَحِقُّهَا وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ لَزِمَهُ تَمَامُ الْبَطْنِ الَّتِي هُوَ فيهَا عَلَى حِسَابِ السَّنَةِ وَفَسْخُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَيْسَ بِغَاصِبٍ وَلَا مُتَعَدٍّ، وَإِنَّمَا زَرَعَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ، وَمِمَّا يَجُوزُ لَهُ.وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ وَرِثَ تِلْكَ الْأَرْضَ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا أَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ شَرِيكًا، فَإِنَّهُ يُتْبِعُ الَّذِي أَكْرَاهَا بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَخَذَ شَيْئًا ظَنَّ أَنَّهُ لَهُ، فَأَتَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، مِثْلُ الْأَخِ يَرِثُ الْأَرْضَ فيكْرِيهَا فيأْتِي أَخٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، أَوْ عَلِمَ بِهِ، فيرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَابَى في الْكِرَاءِ، فَإِنْ حَابَى رَجَعَ بِتَمَامِ الْكِرَاءِ عَلَى أَخِيهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ رَجَعَ عَلَى الْمُكْتَرِي سَحْنُونٌ.وَغَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَخِ بِالْمُحَابَاةِ، كَانَ لِلْأَخِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُكْتَرِي مَالٌ فيرْجِعَ عَلَى أَخِيهِ.وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِأَنَّ لَهُ أَخًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْمُحَابَاةِ عَلَى الْمُكْتَرِي.قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَسْكُنُهَا وَيَزْرَعُهَا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَأَتَى مَنْ يَسْتَحِقُّ مَعَهُ، فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فيهَا؛ لِأَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْأَخِ يَرِثُ الدَّارَ فيسْكُنُهَا فيأْتِي أَخٌ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.فَقَالَ: إنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّ لَهُ أَخًا أَغْرَمْتُهُ نِصْفَ كِرَاءِ مَا سَكَنَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَا شَيْءَ، وَكَذَلِكَ في السُّكْنَى.وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا الْكِرَاءُ عِنْدِي فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّكْنَى، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا أَكْرَاهَا بِهِ - عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِنَصِيبِ أَخِيهِ، وَنَصِيبُ أَخِيهِ في ضَمَانِ أَخِيهِ لَيْسَ في ضَمَانِهِ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ لَهُ السُّكْنَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ لِأَخِيهِ مَالًا، وَعَسَى أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَسْكُنْ نَصِيبَ الْأَخِ، وَلَكَانَ في نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ مَا يَكْفيهِ، سَحْنُونٌ.وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ نِصْفَ كِرَاءِ مَا سَكَنَ..(اكْتَرِي أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ في أَيَّامِ الْحَرْثِ): اكْتَرِي أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ في أَيَّامِ الْحَرْثِ وَغَيْرِ أَيَّامِ الْحَرْثِ:قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا سَنَةً وَاحِدَةً بِعِشْرِينَ دِينَارًا لِأَزْرَعَهَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ مَنْ زِرَاعَتِهَا - وَذَلِكَ في أَيَّامِ الْحَرْثِ بَعْدُ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَ هَذَا الزَّارِعِ إذَا كَانَ الَّذِي أَكْرَاهُ الْأَرْضَ لَمْ يَكُنْ غَصَبَهَا، وَكَانَ الْمُكْتَرِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَهَا لِأَمْرٍ كَانَ يَجُوزُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا.قُلْت: وَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَ هَذَا الزَّارِعِ، وَقَدْ صَارَتْ الْأَرْضُ أَرْضَهُ؟قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الزَّارِعَ لَمْ يَزْرَعْ غَاصِبًا وَإِنَّمَا زَرَعَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ.وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فيمَنْ زَرَعَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ: إنَّهُ لَا يُقْلَعُ زَرْعُهُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكِرَاءُ.قُلْت: فَلِمَنْ يَكُونُ هَذَا الْكِرَاءُ، وَقَدْ اسْتَحَقَّهَا هَذَا الَّذِي اسْتَحَقَّهَا في إبَّانِ الْحَرْثِ وَقَدْ زَرَعَهَا الْمُتَكَارِي؟قَالَ: إذَا اسْتَحَقَّهَا في إبَّانِ الْحَرْثِ، فَالْكِرَاءُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّهَا.كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ زَرَعَ أَرْضًا بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، فَأَتَى صَاحِبُهَا فَاسْتَحَقَّهَا في إبَّانِ الْحَرْثِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَكَانَ لَهُ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى الَّذِي زَرَعَهَا، فَإِنْ اسْتَحَقَّهَا وَقَدْ فَاتَ إبَّانُ الزَّرْعِ، فَلَا كِرَاءَ لَهُ فيهَا، وَكِرَاؤُهَا لِلَّذِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا اسْتَغَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ زَرَعَ أَوْ سَكَنَ.وَإِنْ كَانَ غَصَبَهَا الزَّارِعُ، قُلِعَ زَرْعُهُ إذَا كَانَ في إبَّانٍ تُدْرَكُ فيهِ الزِّرَاعَةُ، وَإِنَّمَا يُقْلَعُ مِنْ هَذَا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ.فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ الْكِرَاءَ.قُلْت: فَإِنْ مَضَى إبَّانَ الْحَرْثِ وَقَدْ زَرَعَهَا الْمُكْتَرِي، أَوْ زَرَعَهَا الَّذِي اشْتَرَى الْأَرْضَ، فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ آخَرُ، أَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحَرْثَ قَدْ ذَهَبَ إبَّانُهُ.قُلْت: وَتَجْعَلُ الْكِرَاءَ لِلَّذِي أَكْرَاهَا؟قَالَ: نَعَمْ.قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟قَالَ: نَعَمْ فيمَا بَلَغَنِي إذَا لَمْ يَكُنْ غَصَبَهَا قَالَ: وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ يُكْرِيهَا فيأْخُذُ غَلَّتَهَا، وَيَسْكُنُ هَذَا الْمُتَكَارِي حَتَّى يَنْقَضِيَ أَجَلُ السُّكْنَى، ثُمَّ يَسْتَحِقُّهَا مُسْتَحِقٌّ بَعْدَ انْقِضَاءِ السُّكْنَى، فيكُونُ الْكِرَاءُ لِلَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ وَأَكْرَاهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لِلدَّارِ.فَالْأَرْضُ إذَا ذَهَبَ إبَّانُ الْحَرْثِ، بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في كِرَاءِ الْأَرْضِ.وَالدَّارُ إذَا انْقَضَى أَجَلُ السُّكْنَى فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ، كَذَا سَمِعْتُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَكْرَى، لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَأَكْرَاهَا وَزَرَعَهَا الْمُتَكَارِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهَا في إبَّانِ الْحَرْثِ؟قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ غَصَبَهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ زَرَعَ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ فَلَيْسَ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَهُ.قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ إنَّمَا وَرِثَ الْأَرْضَ عَنْ أَخِيهِ، فَأَتَى رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ - وَذَلِكَ في إبَّانِ الْحَرْثِ - أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ؟قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَلَكِنْ لَهُ الْكِرَاءُ.قُلْت: فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى إبَّانُ الْحَرْثِ فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ، لِمَنْ يَكُونُ الْكِرَاءُ؟قَالَ: أَمَّا في الْمُوَارَثَةِ، فَأَرَى الْكِرَاءَ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ كَانَ في إبَّانِ الْحَرْثِ أَوْ غَيْرِ إبَّانِ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا إنَّمَا كَانَ مِنْ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَوْ غَرِقَتْ أَوْ كَانَتْ دَارًا فَانْهَدَمَتْ أَوْ احْتَرَقَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا هَذَا الَّذِي كَانَتْ في يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْغَائِبِ الَّذِي اسْتَحَقَّهَا.فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ الْكِرَاءُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا كَانَ في مِلْكِهِ.وَإِنَّ الَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ أَوْ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ وِرَاثَةٍ دَخَلَ مَعَهُ، فَإِنَّمَا لَهُ الْكِرَاءُ مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّهَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَا كِرَاءَ لَهُ فيمَا مَضَى.وَإِنَّمَا الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ في الْكِرَاءِ وَالْغَلَّةِ، الَّذِي يَدْخُلُ بِسَبَبٍ مَعَ مَنْ كَانَتْ في يَدَيْهِ، يَكُونُ هُوَ وَأَبُوهُمْ وَرِثُوا دَارًا.فَأَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّهَا بِوِرَاثَتِهِ وَقَدْ كَانَتْ في يَدَيْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ وِرَاثَةٍ، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا مِنْ يَوْمِ اسْتَحَقَّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا، وَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ وَاسْتَحْسَنْتُ وَفُسِّرَ لِي.
|